الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمَن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغُرِّ الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنّا وعنهم يا ربَّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات.
ذكر الله تعالى أفضل عبادة تدور مع الإنسان:
أيُّها الإخوة الكرام: مع هذا الحديث الشريف الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ألَا أُخبِرُكم بخيرِ أعمالِكم وأَزكاها عِندَ مَليكِكم، وأَرفَعِها في دَرَجاتِكم، وخيرٍ لكم مِن إنفاقِ الذهَبِ والفِضَّةِ، وخيرٍ لكم مِن أنْ تَلقَوا عَدُوَّكم فتَضرِبوا أعناقَهم، ويَضرِبوا أعناقَكم؟ قال: بلَى، قال: ذِكرُ اللهِ عزَّ وجَلَّ ))
وقبل أن أُتابع سيدنا سعد بن أبي وقاص يقول: "ثلاثةٌ أنا فيهن رجُل، وفيما سوى ذلك أنا واحدٌ من الناس" ومعنى رجُل في القرآن وفي السُنَّة لا تعني أنه ذَكر، تعني أنه بطل، من هذه الثلاثة: "وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌّ من الله تعالى" .
في ضوء هذا القول لسيدنا سعد بن أبي وقاص تابعوا معي هذا الحديث:
(ألَا أُخبِرُكم بخيرِ أعمالِكم) على الإطلاق، خير اسم تفضيل (وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم) أرقاها عند الله عزَّ وجل (وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم) هذا العمل يرفعك إلى أعلى عليين (وخيرٍ لكم مِن إنفاقِ الذهَبِ والفِضَّةِ، وخيرٍ لكم مِن أنْ تَلقَوا عَدُوَّكم فتَضرِبوا أعناقَهم، ويَضرِبوا أعناقَكم؟ قال: بلَى، قال: ذِكرُ اللهِ عزَّ وجَلَّ) .
لا يوجد عبادة تدور مع الإنسان ليلاً نهاراً، صباحاً مساءً، وأنت متزوج وغير متزوج، وفي الطريق، وفي بيتك، وفي عملك، صحيح، مريض، لا يوجد عبادة تدور مع الإنسان في كل أوقاته، وفي كل شؤون حياته كهذه العبادة، إذا قرأت القرآن فأنت ذاكر، وإذا دعوت الله فأنت ذاكر، وإذا استغفرت فأنت ذاكر، وإذا ناجيت الله فأنت ذاكر، وإذا فتحت كتاب فقهٍ كي تعرف الحُكم الشرعي في موضوعٍ ما فأنت ذاكر، وإذا دعوت إلى الله فأنت ذاكر، وإذا رويت حديثاً عن رسول الله فأنت ذاكر، عبادة تدور معك، راكب سيارة من دمشق إلى حلب ذكرت الله عزَّ وجل فأنت ذاكر.
أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله:
مرةً ثانية: (ألَا أُخبِرُكم بخيرِ أعمالِكم وأَزكاها عِندَ مَليكِكم، وأَرفَعِها في دَرَجاتِكم ، وخيرٍ لكم مِن إنفاقِ الذهَبِ والفِضَّةِ، وخيرٍ لكم مِن أنْ تَلقَوا عَدُوَّكم فتَضرِبوا أعناقَهم، ويَضرِبوا أعناقَكم ؟ قال: بلَى، قال: ذِكرُ اللهِ عزَّ وجَلَّ) .
حديثٌ آخر:ع
(( ن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الدنيا ملعونةٌ ملعونُ ما فيها إلا ذكرَ اللهِ وما والاه عالمًا ومتعلِّمًا ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي ]
الدنيا من شأنها أن تُبعدك عن الله، أجمل ما في الدنيا ذكر الله، أجمل لقاء مُذاكرة العِلم، أجمل حضورٍ حضور مجلس عِلم (عالماً ومتعلِّماً) .
يقول الإمام علي رضي الله عنه: "النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ. فاحذر يا كميل أن تكون منهم."
(( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أفضلُ الذِّكْرِ: لا إله إلا اللهُ، وأفضلُ الدعاءِ: الحمدُ للهِ ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجه والنسائي ]
التوحيد ألّا ترى مع الله أحداً، الخير عند الله، الخير توفيق الله، الخير رزق الله.
من كان مع الله كان الله معه و تجلى على قلبه بالسكينة و الحكمة:
أيُّها الإخوة: (أفضلُ الذِّكْرِ: لا إله إلا اللهُ) معناها ألّا ترى مع الله أحداً، ألّا ترى رازقاً إلا الله، ألّا ترى مُعطياً إلا الله، ألّا ترى مانعاً إلا الله، ألّا ترى مُعزِّاً إلا الله، ألّا ترى مُذلاً إلا الله، ألّا ترى رافعاً إلا الله، ألّا ترى خافضاً إلا الله: (وأفضلُ الدعاءِ: الحمدُ للهِ) .
(( أنَّ حَنْظَلةَ الأُسَيْديَّ - وكان مِن كُتَّابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ؟ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ! ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ))
الذِكر، إذا كنت ذاكراً أنت مع الله، وإذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا كنت مع الله تجلَّى على قلبك، وإذا كنت مع الله ألقى عليك السكينة، وإذا كنت مع الله أعطاك الحكمة، إذا كنت مع الله أعطاك الرضا.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إذا مررتم برياضِ الجنةِ فارتعوا، قيل: يا رسولَ اللهِ وما هي رياضُ الجنةِ؟ قال: حلَقُ الذكرِ ))
مجلس عِلم، جلسة فيها مُذاكرة القرآن الكريم، جلسة فيها مُذاكرة لحديث رسول الله، جلسة فيها حديث عن الصحابة الكرام.
﴿ أول موضوع في الذكر في القرآن الكريم كثرة الذكر:
﴾
أيُّها الإخوة هذه مقدمة، الذِكر ورد في القرآن الكريم أكثر من مئةٍ وأربعين مرة، لكن أول موضوع في الذِكر في القرآن الكريم كثرة الذِكر لماذا؟ لأنَّ المنافق يذكر الله لكن قليلاً، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)﴾
فالأمر للمؤمنين:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾
مَن أكثرَ ذكر الله برئ من النفاق:
التركيز على كلمة كثيراً، تحت كلمة "كثير" ضع خطاً أحمراً:
﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)﴾
آيةٌ ثانية:
﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)﴾
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَن أكثر من ذكرِ اللهِ، فقد برئ من النفاقِ ))
آيةٌ ثالثة:
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
هل هناك حالةٌ رابعة؟ واقف، مُضجِّع، جالس، أي يذكرون الله دائماً (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هُنا معنىً جديد، هذا عطف الخاص على العام.
التفكر في خلق السماوات والأرض أحد أهم أنواع الذكر:
أحد أهم أنواع الذِكر التفكُّر في خلق السماوات والأرض، لأنك إن تفكرت في خلق السماوات والأرض عرفت الله، وإذا عرفت الله عرفت كل شيء، وإن فاتتك معرفة الله فاتك كل شيء (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .
آية الأمر يقتضي أن تأتمِر، وآية النهي يقتضي أن تنتهي، آية مشاهد الجنَّة يقتضي أن تعمل للجنَّة، آية مشاهد النار يقتضي أن تفرَّ منها، آية الأُمم السابقة يقتضي أن تتعظ، والآيات الكونية التي تقترب من ألف آيةٍ ما موقفك منها؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض لذلك قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
الأمر بالذكر مُرتبط بالكثرة لأن المنافق يذكر الله قليلاً:
آيةٌ خامسة:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)﴾
الأمر بالذِكر مُرتبط بالكثرة لأنَّ المنافق يذكُر الله قليلاً.
وقت الذِكر:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)﴾
أي يأتي النهار بعد الليل، والليل بعد النهار (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) أي قُبيل طلوع الشمس وقُبيل غروبها لا تعجز عن الذكر، مكان الذِكر بأي مكان، إلا أنَّ أرقى أنواع الذِكر ما كان في المسجد:
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)﴾
أي ينبغي ألّا يُذكر في بيوت الله إلا اسم الله تعالى:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)﴾
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)﴾
والصلاة أفضل أنواع الذِكر، قال تعالى:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾
قال علماء التفسير: ذِكر الله أكبر ما فيها.
موضوعات الذكر لا تُعد و لا تُحصى فعلى الإنسان أن يذكُر الله على نعمه الكثيرة ومنها:
الآن موضوعات الذِكر:
﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)﴾
هل تذكُر نعمة الله عليك أن أوجدك؟ نعمة الإيجاد: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) .
﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1)﴾
أول موضوع نعمة الإيجاد، أنت موجود بفضل الله عزَّ وجل.
نعمة ذِكر الآلاء، الكون كله يدل على الله، الكون مظهرٌ لأسماء الله الحسنى، قال تعالى:
﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)﴾
آياته الكونية، لكَ سمع، لكَ بصر، لكَ شَعر، لكَ دماغ، أمامك ماء، أمامك زوجة، أولاد، هناك جبال، هناك أنهار، هناك بحيرات، هناك أطيار، هناك أسماك، هناك نباتات (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
من لم يُدخِل الدار الآخرة في حساباته خسر الدنيا و الآخرة:
موضوع ثانٍ، الموضوع الخطير:
﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)﴾
هل اليوم الآخِر داخلٌ في حساباتك؟ قبل أن تعقد صفقةً هل تُحاسَب عليها يوم القيامة؟ مادةٌ مُحرَّمة، قبل أن تفعل شيئاً هل تتساءل ماذا أُجيب الله يوم القيامة؟ من أكبر نعم الله بعد الإيمان به، أن تذكُر كل دقيقةٍ اليوم الآخِر، قبل أن تُعطي، قبل أن تمنع، قبل أن تغضب، قبل أن ترضى، قبل أن تصِل، قبل أن تقطع، قبل أن تُطلِّق زوجتك، قبل أن تعقد عقداً على فتاةٍ لا تُرضي الله، قبل أن تنسحب من شريك، إذا سألك الله يوم القيامة بماذا تجيب؟ (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) .
تذكُّر الدار الآخرة دائماً، سألوا طالباً حصَّل الدرجة الأولى على وطنه في الشهادة الثانوية، بما نلت هذا التفوُّق؟ قال: لأنَّ لحظة الامتحان لم تُغادر مُخيلتي ولا ثانية، إذا ذكرت الموت والدار الآخرة، ذكرت القبر، ذكرت العذاب، الجنَّة، النار، الصراط، أن تكون مع الأنبياء يوم القيامة، هل أدخلت الآخرة في حساباتك؟ والله الذي لا إله إلا هو، معظم المسلمين موضوع الدار الآخرة ليس داخلاً في حساباتهم أبداً، بدليل الكسب الحرام أحياناً، والغش، والكذب وما إلى ذلك.
على المؤمن التمسُّك بأحكام الله عزَّ وجل بقوة:
من أفضل أنواع الذِكر:
﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)﴾
كيف؟ (وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ) لو بحثت في حكمة الصلاة، حكمة الصيام، حكمة الحج، حكمة تحريم الرِبا، الآن ظهر للعالم كله ماذا يعني أنَّ الرِبا عند المسلمين مُحرَّم، هذا تشريع خالق الكائنات، تشريع ربِّ الأرض والسماوات (وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
3 ـ النعم التي تخص الإنسان:
الآن اذكُر نعمة الله عليك التي خصَّك بها، نظر النبي عليه الصلاة والسلام في المرآة فقال:
(( اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلقي، فحسِّن خُلُقي ))
الله أقامك في وضعٍ كامل، حواس، أعضاء، أجهزة كاملة، معك مفتاح بيت، لك زوجة، لك أولاد:
﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)﴾
هذا موضوعٌ للذِكر، وجدت طعاماً في بيتك، لك غرفة نوم، غرفة ضيوف، مطبخ، حمَّام، زوجة، أولاد، هذه نِعمٌ كُبرى، كان إذا دخل بيته يقول:
(( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كانَ إذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ، قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ له وَلَا مُؤْوِيَ ))
4 ـ نعمة المحبة بين المؤمنين:
موضوعٌ آخر:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103)﴾
أي إذا كنت مع أخٍ مؤمنٍ وشعرت بمحبةٍ تجاهه، هناك وفاء، هناك إخلاص، استأنست به، نعمةٌ كبيرة، لك إخوةٌ مؤمنون، لك إخوةٌ مُحبّون، لك إخوةٌ أوفياء لك.
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)﴾
إذا دخلت إلى مسجدٍ وجدته مُمتلئاً، الحمد لله هناك إقبالٌ على الدين، لست وحدك في التديُّن:
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)﴾
هذه موضوعات الذِكر:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)﴾
قبل أن تشرب سمِّ الله، ما معنى تسمية الله على كأس الماء؟ أي أنَّ هذه النعمة نعمة الله عزَّ وجل، كم إنسان مات وهو في البحر؟ البحر أربعة أخماس الأرض، وكم من باخرةٍ غرقت، والذين ركبوا قارب النجاة ماتوا عطشاً وهُم فوق سطح البحر؟ من جعل هذا الماء عذباً زُلالاً بعد أن كان ملحاً أُجاجاً؟ إنه الله، فالتسمية أن تذكُر نعمة الله عليك، والتسمية أن تشرب وفق منهج رسول الله:
(( مُصُّوا الماءَ مصًّا، و لا تَعُبُّوهُ عبًّا ))
التسمية قبل أن تأكل، أن ترى أنَّ هذا الطعام لم تدفع ثمنه لكنك دفعت أُجرة خدمته، لو معك ملايين مُملينة هذه الملايين لا يمكن أن تصنع تفاحةً تأكلها، الذي خلقها هو الله، تقول اشتريته بمالي، دفعت ثمن خدمتها فقط.
6 ـ نعمة النصر و النجاة من عدوٍ مخيف:
في تاريخ حياتك هناك أزمات، لك عدوٌّ مُخيف نجَّاك الله منه، هذا يوم، دخلت امتحاناً صعباً نجحت فيه، بحثت عن وظيفةٍ سبع سنوات ثم عُيّنتَ في وظيفةٍ جيدة، هذه أيام الله، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)﴾
يومٌ الله نصرك، يومٌ وفقك، كان هناك شبح مرضٍ خبيث فظهر أنه ورمٌ حميد، هذا يومٌ من أيام الله، كان هناك شبح أن تبقى عازباً، الله هيأ لك من يُقدِّم لك مساعدة، فتزوجت، وعندك بيت، وعندك أولاد، هذه من أيام الله عزَّ وجل (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور ) .
لك عدوٌّ مُخيف حَقود نجَّاك الله منه:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)﴾
من غفل عن الله و غرق بالدنيا وقع في مصيبةٍ ليعود إلى الطريق السليم:
هذه موضوعات الذِكر، غفلت عن الله عزَّ وجل وغرِقت في الدنيا، نسيت:
﴿ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24)﴾
لا سمح الله ولا قدَّر وقعت في معصيةٍ:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾
موضوعات الذِكر، وقت الذكر، مكان الذكر، كثرة الذكر.
1 ـ التذلُّل لله عزَّ وجل أثناء الذكر:
الآن كيفية الذِكر:
﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ(205)﴾
مُتذللاً.
(وَخِيفَةً) من دون رفع الصوت، أفضل الذِكر إخفاء الذِكر (تَضَرُّعًا) أي تذللاً (وَخِيفَةً) أي خُفيةً (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) صباحاً ومساءً.
3 ـ عدم الغفلة عن الله عزَّ وجل أثناء الذِكر:
(وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) .
1 ـ مَن ذَكَر الله عزَّ وجل رفع الله ذكره بين الناس:
نتائج الذِكر:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾
إنسانٌ يجلس في مجلسٍ يتحدَّث عن نفسه، عن بطولاته، عن ذكائه، عن خبراته، عن دخله، عن زواجه، عن بيته، عن نُزهاته، إنسانٌ آخر يُعتِّم على ذاته ويتحدَّث عن ربّه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) .
ورد في بعض الأحاديث القدسية:
(( قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا عِندَ ظنِّ عَبْدي بي، وأنا معه حينَ يَذكُرُني، فإنْ ذكَرَني في نَفْسِه ذكَرْتُه في نَفْسي، وإنْ ذكَرَني في مَلَأٍ ذكَرْتُه في ملأٍ خَيرٍ منه، وإنِ اقترَبَ إليَّ شِبرًا اقترَبْتُ إليه ذِراعًا، وإنِ اقْترَبَ إليَّ ذِراعًا اقترَبْتُ إليه باعًا، وإنْ أتاني يَمْشي أتيْتُهُ هَرْوَلَةً. ))
أنت تُعتِّم على نفسك والله عزَّ وجل يرفع ذِكرك بين الناس، أنت آثرت أن تُعرِّف الناس بالله عن أن تُعرِّفهم بنفسك، فرفع الله لك ذِكرك (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) .
2 ـ ذِكر الله عزَّ وجل للإنسان أكبر من ذكر الإنسان لربه:
لكن هناك معنىً دقيقٍ جداً: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) ذِكر الله لكَ وأنت في الصلاة أكبر من ذِكرك له، إنك إن ذكرته أدّيت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك نعمة الأمن، وكم من إنسانٍ يفتقدها الآن، إنك إن ذكرته منحك نعمة الحكمة:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
وإنك إن ذكرته منحك الرضا، إنك إن ذكرته منحك السكينة، إنك إن ذكرته منحك الاطمئنان، إنك إن ذكرته منحك التفاؤل، هذه نتائج الذِكر.
3 ـ اطمئنان القلب وسعادته واستقراره:
أكبر نتيجة القلب لا يطمئن، ولا يستقر، ولا يسعد، إلا إذا ذكر الله، والدليل:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
أهل الذِكر هُم أهل الله والقرآن:
من هُم أهل الذِكر؟ قال العلماء: أهل الذِكر هُم أهل الله، أهل الذِكر هُم أهل القرآن، لذلك لا تستشر إنساناً من الدنيا، من الأغنياء، من الأقوياء، استشر أهل الذِكر، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
إن استشرت أهل الدنيا، أشاروا عليك بالتساهل في طاعة الله من أجل الدنيا، أشاروا عليك أن تأكل المال الحرام بدعوى أنه بلوى عامة، إن استشرت أهل الدنيا أغروك بالدنيا، أمّا البطولة: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
العاقل من ابتعد عن الغافلين عن الله عزَّ وجل:
الآن ينبغي ألّا تلازم الغافلين:
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)﴾
جرِّب حدِّث إنساناً عن الله، يقول لك: ليس لدي الوقت! آسف، قاطعتك لا تؤاخذني، دعه واقفاً وحدِّثه بأسعار الأسهم، بالسندات، بالبورصة، بالبيوت، ثلاث ساعاتٍ واقف في الطريق وهو مسرور(وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا) .
من سار إلى الله عزَّ وجل سيراً حثيثاً فله أجرٌ كبيرٌ عند الله:
لذلك الله عزَّ وجل أمرنا من خلال النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾
حينما تأتي إلى بيتٍ من بيوت الله، الجلسة على الأرض، لا يوجد ضيافة، أمّا أيُّ لقاءٍ حميمٍ مُختلط، هناك مقاعد وثيرة، وضيافاتٍ متنوعة، ومرح، وطُرَفٍ تُلقى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
جالس في البيت مرتاح، لك مقعد خاص، أمامك زوجتك وأولادك، تُتابع شيئاً مُعيَّناً، تقرأ شيئاً مُعيَّناً، تمزح مع أولادك، مسرور جداً، دخل وقت الدرس، نهضت من بيتك، وتوجهت إلى درس العِلم، هذا له ثمن عند الله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) .
توعد الله عزَّ وجل بالعقاب الأليم لمَن أعرض عن ذكره:
الآن نتائج عدم الذِكر، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)﴾
ومن صفات الكُفَّار:
﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42)﴾
لا يقبَل تفسيراً إلهياً، تفسيراً سماوياً، تفسيراً توحيدياً، تفسيراً دينياً، لا يقبَل إلا تفسيراً أرضياً، هذه الزلزلة اضطرابٌ في القشرة الأرضية فقط! لكن من مُسبِّب الأسباب؟
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) ﴾
الغافل عن ذكر الله لا يقنع بأي تفسير ديني أو توحيدي إنما يقنع بالتفسير الأرضي فقط:
هناك هلاك بالزلزال، هلاك بالفيضان، هلاك بالجفاف، لا يقبَل إلا تفسيراً أرضياً مادياً، أمّا تفسير أرضي مدعوم بتفسير توحيدي، تفسير إلهي، تفسير قرآني، بلد فيه حربٌ أهلية، لا يمكن أن يُفسَّر هذا الحدَث إلا بنزعاتٍ طائفية، أو بعدوانٍ خارجي، أو بمؤامرةٍ على البلد، أمّا اقرأ قوله تعالى:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
لا يقبَل تفسيراً توحيدياً، تفسيراً قرآنياً، تفسيراً إلهياً، تفسيراً دينياً، يقول لك مؤامرة، استعمار، صهيونية، هكذا أريح له، فلذلك نتائج عدم الذِكر: (بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ) .
النتيجة الأولى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) .
استواء الرجال و النساء في الذِكر:
أيُّها الإخوة: يستوي في الذِكر الرجال والنساء والدليل:
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾
الدعوة إلى الله نوعٌ من مقابلة الإحسان بالإحسان:
آخِر موضوع في الذِكر أنَّ الدعوة إلى الله نوعٌ من مقابلة الإحسان بالإحسان، قال تعالى:
﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)﴾
هو هداكم، اهتديت وحدك لا تكن أنانياً، كما هداك الله إليه، وكما صبر عليك، وكما حَلُم عليك، ادعُ إليه، واصبِر على من تدعوهم إلى الله، وكُن حليماً عليهم، لا تضجر (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) .
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حِذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبَع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله ربِّ العالمين.
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
العاقل من استغل كل لحظة من فراغه بالذِكر والعبادة:
أيُّها الإخوة الكرام: تطبيقٌ لهذا الموضوع، الإنسان أحياناً عنده وقت لابُدَّ من أن ينفقه، مسافرٌ إلى حلب، يجري ببرنامجٍ رياضي يومي، يمكن أن تستغل هذه الأوقات بالذِكر، بالدعاء، بالمُناجاة، بالاستغفار، بسماع القرآن، بسماع درس، والله أُناسٌ يعدون بالآلاف سبب هدايتهم في أمريكا الطريق، ساعة ونصف إلى عملهم يومياً، يضع شريطاً، هذا الشريط مع التراكُم أصبح دعوةٌ إلى الله كاملة، حدثني أخٌ قال: والله أنا أَبعَد الناس عن الدين، دخل إلى معرض فيه أشرطة "الأسماء الحُسنى" أخذها كلها، خلال مئة يومٍ تقريباً، سمعها كلها في الطريق وانقلب، قال لي: والله غيرت سلوكي مئة وثمانين درجة، هناك وقتٌ اسمع فيه درساً، اسمع فيه قرآناً، ناجي ربَّك، ادعُ الله عزَّ وجل، الأوقات التي تراها أوقات لابُدَّ من أن تُنفَق، هناك أوقات انتظار عند الطبيب لا سمح الله أحياناً، هناك أوقات سفر، الوقت الميِّت بالتعبير الدارج، هذا ينبغي أن يمتلئ بالذِكر، عندئذٍ تكون أسعد الناس.
الحياة صعبة ومُعقدة، ضغوط العمل شديدة، أنا أطلُب منك فضلاً عن الصلوات الخمس الفرائض، وعن صيام رمضان، الأوقات التي لا بُدَّ من أن تُنفقها شئت أم أَبيت، هذه استغلها بالذِكر، أنا أعرف أُناساً كثيرين وقت الرياضة وقت ذِكر، ساعةً يمشي وهو يقرأ القرآن، أو يسمع القرآن، يسمع درساً، أو يناجي ربَّه، أو يدعو الله عزَّ وجل، هذا الذِكر لا بُدَّ منه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق) .
(( برئٌ منَ الشحِّ منْ أدى الزكاةَ، وقرى الضيفَ، وأعطى في النائبةِ ))
[ أخرجه الطبراني وأبو داوود ]
(( من حمل بضاعتَه بيدِه برئٌ من الكِبرِ ))
[ أخرجه البيهقي وابن عدي ]
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا ربّ العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمَّن سواك، اللهم اعطِنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضنا وارضَ عنا.
اللهم بفضلك ورحمتك، أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخُذ بيد ولاتهم إلى ما تُحب وترضى، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تؤاخذنا بفعل المُسيئين يا ربّ العالمين.
اللهم وفِّق ولاة المسلمين لما تُحب وترضى، واجمع بينهم على خيرٍ إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.
الملف مدقق